تقول ليديا بولجرين، إن كثيرًا من الأمريكيين يجدون صعوبة في تصديق حجم المأساة في غزة، ربما لأنهم يعلمون أن هذه الكارثة صُنعت بأموالهم، وسلاحهم، ومباركة حكومتهم، وبأيدي حليفهم الأقرب: إسرائيل. لذلك يحاول بعضهم التقليل من فداحة الجريمة عبر التشكيك في الأرقام. يزعمون أن وزارة الصحة في غزة، لأنها تتبع حماس، تبالغ في أعداد القتلى، أو أن معظم الضحايا مقاتلون لا مدنيون، أو أن ما حدث لا يختلف عن مآسٍ أخرى في إفريقيا لا علاقة لأمريكا بها. لكن كل تلك الحجج ليست سوى ستار من الإنكار.

 

وبحسب ميركوري نيوز، بعد عامين من القصف المتواصل، أوقفت هدنة هشة آلة الحرب الإسرائيلية، لكنها كشفت واقعًا يشبه نهاية العالم: أنقاض بلا حياة، ووجع لا يوصف. ومع بداية الهدوء، بدأ بعض الباحثين في حساب الكلفة الحقيقية للحرب، وربما سنكتشف أنها أسوأ مما تخيّلنا.

 

تُظهر البيانات أن أكثر من 68 ألف إنسان فقدوا حياتهم في غزة، وفق إحصاءات وزارة الصحة. ورغم تشكيك البعض في دقتها، يؤكد خبراء توثيق ضحايا الحروب أن هذه الأرقام موثوقة على نحو نادر، لأنها تتضمن أسماء وأعمارًا وأرقامًا تعريفية قابلة للتحقق.

 

يقول البروفيسور مايكل سباجات من جامعة رويال هولواي بلندن إن الوزارة تتوخى الحذر الشديد قبل إدراج أي اسم، مشيرًا إلى أن الشفافية في هذه البيانات تفوق مثيلاتها في نزاعات كبرى مثل السودان أو تيجراي.

 

ومع ذلك، يعتقد باحثون أن الأعداد الحقيقية أكبر بنسبة تصل إلى 40%. فالمسح الذي أجراه سباجات في ألفي أسرة داخل غزة أشار إلى أن النساء والأطفال وكبار السن يشكلون أكثر من نصف القتلى، ما ينقض الادعاء الإسرائيلي بأن الضربات تستهدف مقاتلين. يقول سباجات: “نسبة النساء والأطفال مرتفعة بصورة غير مسبوقة، ما يعني أن القصف لم يفرّق بين مقاتل ومدني.”

 

لكن الضحايا المباشرين لا يمثلون سوى جزء من الكارثة. في الحروب الطويلة، غالبًا يموت أضعافهم بسبب الجوع والمرض وانهيار البنية الصحية. هذه “الوفيات غير المباشرة” يصعب حسابها، لكنها تكشف الثمن الحقيقي للحرب. بولغرين تتذكر مشاهدها في دارفور والكونغو، حيث لقي الأطفال حتفهم لا بسبب الرصاص، بل بسبب الحمى وسوء التغذية بعد نزوحهم إلى مخيمات مهجّرة.

 

ما يجعل غزة أكثر مأساوية هو أنها ليست منطقة نائية. فهي صغيرة المساحة وسكانها متقاربون وتصل إليها المساعدات بسهولة نسبيًا، لكن الحصار الإسرائيلي دمّر هذه الميزة. منذ بداية الحرب، خنقت إسرائيل المعابر، ومنعت الغذاء والدواء والوقود، فانهارت المستشفيات واندلع الجوع في كل بيت. يقول أليكس دي وال، مدير مؤسسة السلام العالمية بجامعة تافتس، إن المجاعة التي تضرب القطاع قد ترفع الوفيات غير المباشرة إلى أكثر من 50 ألف شخص، أي أن الحرب أودت بحياة نحو 7.5٪ من سكان غزة خلال عامين — وهي نسبة تفوق ضحايا اليمن وسوريا وأوكرانيا نسبيًا.

 

رغم ذلك، ما زال كثيرون يحاولون طمس الحقيقة. فبينما تشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن 600 شاحنة مساعدات يفترض أن تدخل يوميًا، لا يصل منها سوى أقل من مئة. معظم سكان غزة بلا مأوى، يعيشون بين الركام، بلا طعام أو دواء. ويُخشى أن تستخدم إسرائيل المساعدات الإنسانية كورقة ضغط سياسية لتحديد مستقبل القطاع.

 

في المقابل، يحاول مقربون من ترامب تبرير ما حدث. في مقابلة مع برنامج “60 دقيقة”، وصف جاريد كوشنر مشهد الدمار في غزة قائلًا إنه “يشبه انفجار قنبلة نووية”، لكنه نفى أن يكون ما جرى إبادة جماعية. تدخّل شريكه ستيف ويتكوف مؤكدًا: “كانت حربًا، لا أكثر.”

 

تكتب بولجرين أن الأنقاض تروي قصة تختلف تمامًا عن رواية من صنعوها. فهناك في الركام دليل لا يمكن إنكاره على أن هذه الحرب تجاوزت حدود الدفاع عن النفس، وتحولت إلى مشروع إفناء. والسؤال الآن ليس عن عدد القتلى، بل عن نوع الحقيقة التي يختار العالم تصديقها — تلك التي يرويها أصحاب السلاح، أم التي تهمس بها حجارة غزة المحترقة.

 

https://www.mercurynews.com/2025/10/25/polgreen-what-happened-in-gaza-might-be-even-worse-than-we-think/amp/